التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تجربة النمو الاقتصادي في البرازيل: نموذج استرشادي لمصر


تجربة النمو الاقتصادي في البرازيل: نموذج استرشادي لمصر



مقدمة

مع نهاية العام الماضي 2011 أعلنت البرازيل رسميا أنها أصبحت سادس اكبر اقتصاد على مستوى العالم متقدمة بذلك على بريطانيا. ووفقا لتصريحات وزير المالية البرازيلي فإن بلاده حققت نموا بنسبة 2.7% في الوقت الذي حقق الاقتصاد البريطاني نموا بنسبة 0.8% . وواقع الأمر فإن هذا الانجاز الذي تحقق بعد مرور عام من ولاية الرئيسة الحالية "ديلما روسيف" لم يكن إلا ثمرة نجاح برنامج اقتصادي إصلاحي طموح شهدته البرازيل طوال ثماني سنوات هي فترة حكم الرئيس السابق "لويس ايناسيو لولا دا سيلفا" الشهير بـ "لولا".

وتهدف الدراسة إلى الاقتراب من تجربة النهضة الاقتصادية البرازيلية في عهد الرئيس السابق "لولا دا سيلفا" (2003-2010) ومحاولة فهم سياساته الاقتصادية التي أدت إلى نقل البرازيل من هوة الإفلاس إلى قمة التقدم الاقتصادي في خلال ثماني سنوات فقط. وكيف استطاعت تلك السياسات التأثير في حياة ملايين البرازيليين ونقلهم من مصاف الطبقات الفقيرة إلى الطبقة الوسطى. وتقوم الدراسة في إطار هذا الهدف أولا بعرض موجز لمراحل تطور الأوضاع الاقتصادية قبل وصول" لولا" إلى الحكم في محاولة لفهم من أين بدأ"لولا"، ثم ثانيا الوقوف على أهم المشكلات الاقتصادية التي واجهها وكان منوطا بحلها، يليها ثالثا الإشارة إلى أيديولوجية "لولا" اليسارية بين الواقع العملي وما كان متوقع منه قبل انتخابه، أما رابعا فتقدم الدراسة عرض وشرح لبرنامج "لولا" الاقتصادي، وفى القسم الخامس تطرح الدراسة تحليلا لكيفية استخدام هذا التقدم الاقتصادي في مجال السياسة الخارجية، وأخيرا في القسم السادس تقدم الدراسة مجموعة من الدروس المستفادة التي يمكن الاسترشاد بها في تلك المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر عقب ثورة يناير وخاصة مع اقتراب موعد انتخاب أول رئيس بعد الثورة. مع التأكيد على أن أي نموذج مهما كان ناجحا لا يمكن استنساخه في بلد آخر، ولكن يجب الاستفادة والاسترشاد بتلك النماذج في بناء نموذج اقتصادي مصري طموح للخروج من الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها مصر.

أولا: مراحل تطور الأوضاع الاقتصادية 

في البداية يجب الإشارة إلى تطور النظام السياسي في البرازيل، حيث يعتبر البعض أن سنة 1964 هي بداية الحكم العسكري القمعي في البرازيل عندما استولى الجيش على الحكومة بشكل كامل ، لكن في الواقع تعود بداية الحقبة العسكرية إلى سنة 1930 عندما تولى الجنرال "غيتويلو فارغاس" الحكم ومن بعده تعاقبت الحكومات العسكرية وتراجعت الديمقراطية والحرية وانتشرت الاعتقالات والأزمات الاقتصادية والحروب الأهلية داخل البرازيل.

وفى منتصف السبعينيات تولى الجنرال "ايرنستو غيسيل" ومن بعده الجنرال "جون بابتيستا فيغوريدو" رئاسة البلاد حتى منتصف الثمانينات، وسار كلاهما في طريق التحول التدريجي نحو الحكم المدني، وهذا ما يعنى أن البرازيل شهدت عشر سنوات انتقالية بين نظامين سياسيين أولهما عسكري استبدادي قمعي وثانيهما مدني مؤسسي ديمقراطي، وتعاقب منذ 1985 الرؤساء المدنيين، وكان أولهم "خوسيه سارنى" وآخرهم حتى هذا التاريخ هي الرئيسة الحالية "ديلما روسيف" والتي كانت احد المعتقلين البارزين إبان الحكم العسكري ومن أهم النشطاء والمناضلين اليساريين في تلك الفترة. ولكن منذ 1985 وحتى 2012 اى خلال 27 عاما من الحكم المدني الديمقراطي عقب انتهاء الحقبة القمعية العسكرية، برز اسم الرئيس "لولا دا سيلفا" الذي تولى رئاسة البلاد لمدة ثماني سنوات (2003-2010)، حيث تقدمت البلاد خلال تلك الفترة تقدما كبيرا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

ويمكن استعراض طبيعة الأوضاع الاقتصادية على مدار أربع عقود على النحو التالي:

1.
فترة سبعينيات القرن العشرين

في خلال تلك الفترة تبنت الحكومات العسكرية سياسات رأسمالية دافعت فيها عن مصالح رجال الأعمال وأصحاب الشركات، دون الاكتراث نهائيا بالطبقات الفقيرة وقامت بدور حامى البلاد من الوقوع في خطر الشيوعية وتكرار النموذج الكوبي، وشكلت تحالفا قويا مع الرأسمالية الوطنية والإدارة الأمريكية. كما عمدت إلى الاقتراض من الخارج لتنفيذ مشروعاتها التنموية، مما خلف ديون اقتصادية كبيرة شكلت عبء على الأجيال اللاحقة.


2.
فترة ثمانينات القرن العشرين

واجهت البلاد مثلها مثل دول أخرى في العالم الثالث أزمة الديون (Dept crisis) خاصة بعد السياسات الاقتراضية المتهورة التي انتهجتها الحكومات العسكرية، ومن ثم شهدت فترة الثمانينات عدة محاولات للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة كما شهدت تراجعا في معدلات النمو.


3.
فترة تسعينيات القرن العشرين

أما في هذه الفترة والتي كان الجيش قد تراجع تماما عن الحياة السياسية وأتم الانتقال السلمي والتدريجي للسلطة إلى حكومات مدنية متعاقبة، فقد انتهجت الحكومات المدنية في خلال عقد التسعينيات سياسات اقتصادية رأسمالية، حيث تبنت سياسات الانفتاح الاقتصادي وسياسات السوق وعمت البرازيل حمى الخصخصة والتحرير الاقتصادي كما كان الحال في العديد من دول العالم الثالث التي اتبعت توجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين، وهو ما أدى إلى تقدم في مؤشرات الاقتصاد الكلى وهو ما لم يكن يعنى تقدما فعليا، بمعنى أن سياسات الانفتاح الاقتصادي أصابت المنتجين المحليين بخسائر فادحة مما أدى إلى مزيد من البطالة وتراجع حاد في الإنتاج المحلى ومن ثم تراجع معدلات التصدير وكذلك أيضا ارتفاع معدلات الفقر التي كانت مرتفعة بالأساس، وعلى هذا فقد أثبتت تجربة التسعينيات في البرازيل والعديد من دول العالم الثالث أن استقرار الاقتصاد الكلى لا يعنى بالضرورة نموا حقيقيا في الاقتصاد والإنتاج ولا يعنى تقدما في مستوى دخل الأفراد وحل المشكلات الاقتصادية مثل البطالة ومستويات الفقر المرتفعة ومشكلات الدين العام والتضخم وغيرها.
محاولات كاردوسو
قدم الرئيس الأسبق "كاردوسو" (1995-2002) محاولات عديدة لإصلاح الاقتصاد البرازيلي، حيث وضع خطة "الريال" التي كان هدفها دمج الاقتصاد المحلى في الاقتصاد العالمي. واتجهت محاولاته الإصلاحية منحى تبنى سياسات السوق الحر والاستدانة الخارجية، حيث ارتفع الدين الخارجي من 150 إلى 250 مليار دولار خلال فترة رئاسته، وقد أدى هذا التضخم في الدين إلى أزمة انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي سواء من الجهات الدولية المانحة أو المستثمرين المحليين والأجانب. كما اتجهت سياسات "كاردوسو" أيضا نحو طرح سندات الدين الداخلي بفوائد مرتفعة مما شجع المستثمرين على التخلي عن الاستثمار المنتج لصالح شراء السندات الحكومية حتى ارتفع الدين الداخلي بنسبة 900% ، وهكذا انحرفت محاولاته إلى مزيد من الأعباء على الأجيال القادمة ولم تحقق تقدما في الإنتاج بل تقدما فقط في قطاع المال وزيادة في الديون وتعقيد اكبر لازمة الثقة، وبالطبع استمرار الأوضاع الاقتصادية المتردية للطبقات الفقيرة.
وقبيل انتهاء فترة رئاسته وبالتحديد في يوليو 2002 سعى "كاردوسو" سعيا مستميتا للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، وراح يتعهد باتخاذ خطوات للتصدي لانعدام الثقة. وفى أغسطس من نفس العام رد الصندوق بأنه على استعداد لإقراض البرازيل قرضا ب30 مليار دولار ولكن عقب الانتخابات الرئاسية ومعرفة توجهات الرئيس الجديد، وهكذا ترك "كاردوسو" الحكم مخلفا وراءه مشكلات اقتصادية كبرى تلقى بظلال الإفلاس على البلاد، على الرغم من محاولاته الحثيثة لحل هذه المشكلات.


ثانيا: طبيعة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية عند وصول "لولا" للحكم في 2003 

1.
مشكلات اقتصادية:

تعاظمت المشكلات الاقتصادية وقد كان منها: مشكلة انخفاض قيمة الريال البرازيلي أمام الدولار الأمريكي، والتضخم وارتفاع مستويات الدين العام سواء الخارجي أو الداخلي –كما سبقت الإشارة- وهو الأمر الذي أدى إلى ما عرف بأزمة الثقة وضعف معدلات النمو . بالإضافة إلى مشكلة النقص الحاد في توصيل الكهرباء إلى مساحات شاسعة من البلاد، وهو ما يعيق مشروعات التنمية الزراعية والصناعية بشكل كبير ومن ثم أيضا معدلات النمو.

2.
مشكلات اجتماعية:

منها على سبيل المثال مشكلة التسرب من التعليم وتردى أحوال المدارس بشكل عام. بالإضافة إلى انتشار الجريمة المنظمة وخاصة تجارة المخدرات شأنها في ذلك شأن معظم دول القارة. إلى جانب مشاكل الجوع والبطالة والفقر الحاد والتفاوت الشديد بين طبقات المجتمع، الذي كان ينقسم بوضوح شديد إلى طبقتين، الأولى عبارة عن شريحة رفيعة جدا من الأغنياء غنىً فاحش في مقابل شريحة عريضة من الفقراء فقر مدقع فيما تكاد تكون الطبقة الوسطى غير مرئية على الإطلاق في مشهد صارخ للتفاوت الاقتصادي وانعدام شبه كامل للعدالة الاجتماعية.


...............................

ولعله من الصعب رسم خط فاصل بين المشكلات الاقتصادية من ناحية والاجتماعية من ناحية أخرى، حيث أن كلا منهما يؤدى إلى الآخر وفى البرازيل تبدو الأمور أكثر تداخلا وتعقيدا. فعلى سبيل المثال هناك حلقة مغلقة تدور فيها مشكلتي التسرب التعليمي وعصابات المخدرات، بمعنى أن أطفال الأحياء الفقيرة يتسربون من التعليم فتضيع فرصهم في الحصول على وظائف محترمة فلا يجدوا أمامهم سوى العمل في عصابات المخدرات، وتلك العصابات تقاوم بشدة كافة برامج الإصلاح الحكومي للأحياء الفقيرة لان هذا الإصلاح من شأنه الإضرار بتجارتها، ومن ثم يزيد الفقر والجوع بسبب عدم الحصول على التعليم وهكذا، حتى تتصل الدائرة وتغلق وتحكم الخناق على مستقبل النمو والتقدم في البرازيل.
وفى مثال آخر فإنه وبسبب الفقر لجأت الدولة مرارا للاستدانة من الخارج لتوفير الاحتياجات الأساسية ولكن زيادة هذه الديون أدى بالبلاد إلى أزمة ثقة قوية حجبت عنها الاستثمارات الأجنبية بل والمحلية ومن ثم تناقصت المشروعات الاستثمارية، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة ومعدلات الفقر وهكذا، مما يعنى مجموعة من الحلقات المغلقة التي تجعل الحلول تؤدى في اغلب الأحيان إلى مزيد من المشكلات وتردى الأوضاع الاقتصادية.

ولذلك يمكن القول أن " لولا " تسلم مقاليد حكم دولة تشرف على الإفلاس لعدم قدرتها على سداد دين خارجي كبير، وتعانى من أزمة ثقة حقيقية حالت دون حصولها على قروض جديدة بدعوى عدم قدرة الاقتصاد الوطني على السداد، والاهم من كل ذلك انه أصبح رئيسا لدولة يقترب عدد سكانها من 200 مليون مواطن يعانى اغلبهم من كوارث اجتماعية متمثلة في الفقر والجوع والبطالة وغيرها كما سبق الإشارة وسط آمال وطموحات عريضة من ناخبين أعطوه أصواتهم ليكون لهم بمثابة طوق النجاة من هذا الظلم الاجتماعي الذي توارثته أجيال وراء أجيال في تلك الدولة وخاصة باعتباره رئيسا ذو خلفية عمالية وانتماء يساري قوى.



ثالثا: لولا الاشتراكي بين الواقع وما كان متوقع منه

مع نهاية 2002 أُعلنت نتيجة الانتخابات الرئاسية في البرازيل لتُظهر فوز مرشح اليسار ورئيس اتحاد النقابات العمالية "لولا دا سيلفا"، وفى البداية سادت حالة من الخوف والترقب بين أوساط رجال الأعمال والمستثمرين المحليين من أن يتبنى الرئيس الجديد سياسات اقتصادية يسارية على خلاف مجمل الرؤساء المتلاحقين منذ بداية الحقبة المدنية في منتصف الثمانينات ومن قبلهم الحكومات العسكرية المتعاقبة.
ولفهم هذه المخاوف التي ساورت الطبقة الرأسمالية في البرازيل ينبغي الإشارة ولو بصورة موجزة لحياة هذا الرجل الدرامية، والتي من المنطقي أن تثير مخاوف عديدة لديهم. 

فقد تجرع لولا شخصيا الفقر منذ أن كان طفلا، فقد كان الابن السابع لعائلة تتكون من ثماني أطفال تسكن في الريف، تركهم والدهم لتتولى أمهم إعالتهم بمفردها، وهو الأمر الذي أدى به إلى تركه التعليم وهو في الصف الخامس ليعمل في مهن متواضعة بداية من ماسح للأحذية وحتى عامل في احد المصانع وقد كان ذلك أثناء فترة الحكم العسكري والأكثر من ذلك أن "لولا" لا يحتاج أن يتكلم ويسرد تاريخه الطويل المشرف والمليء بالفقر والمعاناة والنضال في العمل النقابي للدفاع عن حقوق العمال المهدرة في ظل الحكومات العسكرية واليمينية، ولكن يكفى أن يلوح بيديه لترى اثر هذه الحياة الصعبة، حيث فقد احد أصابعه في أثناء عمله المضني في احد مصانع التعدين. إذا فالرئيس "لولا" لم يكن بحاجة لمن يشرح له احتياجات هذه الطبقة المقهورة، خاصة وان الفقر في البرازيل له مذاق خاص لا يعرفه إلا من عايشه، وقد كان لولا خير من يتحدث باسم فقراء البرازيل ويعمل من اجلهم وهم ملايين الأُسر .

وقد كان من المتوقع وبعد إيضاح خلفية هذا الرجل الدرامية، أن يتجه إما لانتهاج سياسات اشتراكية عنيفة بل وانتقامية من أصحاب المصانع ورجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال بشكل عام، أو أن يغرق هو وحاشيته في الفساد في محاولة لتحقيق مكاسب شخصية بحتة، ولعل هذان هما النموذجان الشائعان في المنطقة العربية على مدار العقود الماضية. لكن ما حدث كان أمرا مختلفا تماما.

فقد كان من الواضح أن "لولا" بعد سنوات طويلة من العمل النقابي والدفاع عن حقوق العمال والحياة وسط طبقة الفقراء والنضال من اجل حياة أفضل لهم منذ الستينيات، وصل إلى درجة من النضج عند دخوله انتخابات 2002 وهو في السابعة والخمسين من عمره جعلته يدرك أن للأغنياء أيضا حقوق وللطبقة الرأسمالية مصالح ومطالب ، وقد أوضح هذا في لقاء تليفزيوني له مع قناة الجزيرة الانجليزية في 2010 وقبل انتهاء فترة رئاسته الثانية بشهور قليلة حين قال: (مقتنع بأنني يجب أن أعطى الأولوية للفقراء... والفقراء يحتاجون إلى الإعانات لتكون حياتهم أفضل... ومن جهة أخرى عندما تحصل على المال من الأغنياء فإنك بذلك تؤثر سلبا على رضاءهم).

باختصار شديد تبنى هذا الرجل سياسات يسارية لحل معضلة الفقر البرازيلي ولانجاز تقدم قوى في تحقيق العدالة الاجتماعية، من جهة أخرى انتهج سياسات ليبرالية تفوق كل أحلام شريحة الرأسماليين لحماية صناعتهم واستثماراتهم لدرجة جعلت هذه الطبقة أكثر تأييدا لحكم لولا من الطبقتين الوسطى والفقيرة التي كان يمثل لهم البطل ذو الشعبية المطلقة لدرجة أن شعبيته كادت تصل إلى 80% قبيل انتهاء فترة رئاسته الثانية وكان هناك مطلب شعبي عارم بتغيير الدستور لتمكينه من فترة رئاسية ثالثة إلا انه رفض وفضل دعم "روسيف" مرشحة حزبه ورئيسة وزراءه السابقة .




رابعا: كيف حققت البرازيل تلك المعجزة الاقتصادية ؟

1.
ما الذي توفر للبرازيل لتحقق تلك المعجزة؟

البرازيل هي بحق ارض المتناقضات، حيث تختلط فيها ناطحات السحاب مع عشش الصفيح، ومناخيا توصف بأنها اكبر مستودع للتنوع الحيوي في العالم، حيث تتواجد جميع الأنظمة البيئية. وديموغرافيا يعيش على هذه الأرض شعب تشكل من أعراق وأصول متباينة 54% بيض 39% ملونين ينقسمون بدورهم إلى الملاتو(سلالة ناتجة من تزاوج الأفارقة والبيض) والكابوكلوز (سلالة ناتجة من تزاوج الهنود الأصليين والبيض) والكافوكوز (تزاوج الأفارقة والهنود الأصليين) و6% زنوج و 1% المهاجرين العرب، أما عدد السكان الأصليين الذين بقوا على نقاءهم ولم يختلطوا بأي من الشعوب القادمة يصل إلى نحو 200 ألف نسمة اى ما يعادل 0.1% من إجمالي السكان . إلا انه مجتمع متجانس عرقيا، بمعنى أن هذه الأصول لا يمكن وصفها بأنها طوائف أو أعراق مختلفة أو متصارعة أو يمكن رسم خطوط فاصلة بين تجمعات منفصلة تقوم على أساس اللون، وربما يكون الاستثناء الوحيد هو مجموعة السكان الأصليين الذين يصرون على الاحتفاظ على نقاءهم وخصوصيتهم الثقافية وما زالوا يسكنون في غابات الأمازون ويعتقدون بخصوصيتهم وضرورة الحفاظ عليها، لأنها كل ما تبقى لهم في معركة الإبادة التي خاضوها ضد الرجل الأبيض طوال 500 عام عند وصول البرتغاليين لأراضى البرازيل.

إذاً امتلكت البرازيل إلى جانب قدراتها الطبيعية من حيث الأراضي الزراعية الشاسعة والأنهار الكثيرة والثروات الطبيعية مثل النفط والمعادن الوفيرة، بالإضافة إلى القوة السكانية التي تقترب من 200 مليون نسمة. امتلكت إلى جانب كل ذلك مناخ ديمقراطي سليم بدأ أولى خطواته في 1985 واخذ في النمو والاستقرار على مدار سنوات. إذا عند وصول "لولا" إلى الحكم في 2003 كانت البرازيل لديها خبرة 17 عاما من التجربة الديمقراطية بعيدا عن تدخل المؤسسة العسكرية بعد تاريخ طويل من الاستبداد والقهر العسكري، هذا المناخ الديمقراطي افرز إرادة شعبية قوية ورغبة عارمة لدى البرازيليين لتحقيق النجاح والنمو والتقدم رغم الفقر الشديد، وفى النهاية توفر للبرازيل زعيم برتبة رئيس لديه تاريخ طويل من العمل السياسي والنقابي ولديه خبرة حقيقية بمشكلات الدولة والشعب والاهم أن لديه إرادة للنجاح وتحقيق النمو والتقدم وهدف وحيد وهو مصلحة البرازيل، وكما يقول المحللين في البرازيل أن "لولا" مكث في الرئاسة ثماني سنوات لم يتربح لنفسه ريالا واحدا على الإطلاق. امتلك "لولا" عزيمة قوية للنجاح وكاريزما جعلت من اوباما يقول عنه: (لولا هو السياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض).


2.
تفاصيل سياسة "لولا" الاقتصادية لتحقيق النمو ومعالجة الفقر والخروج من شبح الإفلاس


1.
تنفيذ برنامج للتقشف

نفذت البرازيل برنامجا للتقشف وفقا لخطة صندوق النقد الدولي بهدف سد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة، والمهم انه عند تولى "لولا" الرئاسة لم يتراجع عن هذا البرنامج الذي كان قد بدأه سلفه "كاردوسو" بل استمر فيه على غير توقعات ومخاوف الطبقات العليا، حيث لجأ للصراحة والمكاشفة وأعلن أن سياسة التقشف هي الحل الأول والأمثل لحل مشاكل الاقتصاد، وطلب دعم الطبقات الفقيرة له والصبر على هذه السياسات، وقد كان له هذا بسبب شعبيته ونجاحاته المتتالية.

وقد أدى برنامج التقشف إلى خفض عجز الموازنة وارتفاع التصنيف الائتماني للبلاد ومن ثم ساهم ذلك بقوة في القضاء على انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي، وبناء عليه تلقت البرازيل نحو 200 مليار دولار استثمارات مباشرة من 2004 وحتى 2011 ، بالإضافة إلى ذلك دخل ما يقرب من 1.5 مليون اجتبى للإقامة في البرازيل في 2011 وعاد نحو 2 مليون مهاجر برازيلي إلى البلاد. وقد أدت هذه الاستثمارات إلى رفع الطاقة الإنتاجية للدولة وهو ما يعنى توفير فرص عمل جديدة ومن ثم المساهمة في حل مشكلة الفقر. وبعد أن كان صندوق النقد يرفض إقراض البرازيل في أواخر عام 2002 أصبح الآن بعد ثماني أعوام من العمل في برنامج لولا الاقتصادي مدين للبرازيل ب 14 مليار دولار.


2.
تغيير سياسات الإقراض 

تم توفير تسهيلات ائتمانية، حيث خُفضت سعر الفائدة من 13.25% إلى 8.75 % وهو ما سهل الإقراض بالنسبة للمستثمرين الصغار، ومن ثم أدى ذلك إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية والنمو وهو ما ساهم بشكل عام في حل مشكلة الفقر. وتشير الأرقام إلى أن نصف سكان البلاد زاد دخلهم خلال العقد الأخير بنسبة 68% .


3.
التوسع في الزراعة واستخراج النفط والمعادن

الواقع أن البرازيل تمتلك قدرات طبيعية ضخمة من أراضى زراعية شاسعة وانهار وأمطار بوفرة كبيرة ومناخ جعل منها منتجة لمحاصيل زراعية متميزة عليها طلب عالمي وغير متوفرة في بلاد أخرى مثل البن وأنواع من الفواكه، وكذلك أيضا ثروات معدنية ونفطية هائلة. وقد اعتمدت البرازيل على تصدير هذه المنتجات الخام في السنوات الأولى في حكم "لولا" وقبل الأزمة العالمية في 2008 واستفادت من ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية وهو الأمر الذي أدى بالتبعية إلى سد العجز في ميزان المدفوعات الذي كان يعانى منه الاقتصاد البرازيلي قبيل عام 2003.

4.
التوسع في الصناعة

اتجهت السياسات الاقتصادية في هذا الشأن إلى الاهتمام بشقين للصناعة، الأول هو الصناعات البسيطة القائمة على المواد الخام مثل تعدين المعادن والصناعات الغذائية والجلدية والنسيج، وهى كانت بالفعل قائمة من قبل لكن حدث فيها توسعات نتيجة للتوسع في الزراعة والاكتشافات البترولية ومن ثم التوسع في هذه الصناعات والتصدير كما سبق الإشارة. 
أما الشق الآخر فهو الصناعات التقنية المتقدمة، حيث خطت البلاد خطوات واسعة في العقد الأخير في صناعات السيارات والطائرات، ومن أهم الأمثال شركة (امبراير Embraer)، والتي تعتبر ثالث أكبر شركة تصنيع طائرات تجارية بعد إيرباص وبوينغ وأكبر شركة مصدرة في كل البرازيل، وتمثل طائرات شركة «إمبراير» 37% من أسطول شركات الطيران الإقليمية في أمريكا. وقد تم إنشاء هذه الشركة من قبل النظام العسكري في 1969 ولكنها ظلت شركة خاسرة، حتى تم خصخصتها في 1994 في عهد الرئيس الأسبق "كاردوسو"، ومن ثم أخذت في التقدم ولكنها حققت نجاحا كبيرا ومتميزا في السنوات الأخيرة .


5.
تنشيط قطاع السياحة

إن البرازيل بما تمتلكه من طاقات طبيعية نادرة ومذهلة من غابات وشواطئ وجبال مؤهلة وبقوة لاجتذاب أفواج سياحية كبيرة، لكن الواقع إن هذه القدرات وحدها غير كاف لهذا بل يجب أن يكون هناك جهود مبذولة لتنشيط السياحة، وقد شهدت البرازيل في الفترة السابقة نموا ملحوظا في هذا المجال، حيث ابتكرت نوع خاص من السياحة يعرف بسياحة المهرجانات، فالبرازيل دولة تمتلك تراث شعبي شديد الخصوصية في الاحتفال عن طريق المهرجانات الجماهيرية التي تشهد حالة من الاحتفال الجماعي في الشوارع برقصات السامبا والموسيقى والألوان والاستعراضات المبهرة، وقد نجحت في الترويج لمثل هذا اللون الخاص من السياحة ونجحت في استقبال 5 ملايين سائحا سنويا. وهو الأمر الذي يساهم كذلك في إنعاش الاقتصاد وتحقيق مزيدا من النمو. 


6.
الطرق المباشرة لحل مشكلة الفقر (الإعانات الاجتماعية)

بعد عرض كل الجوانب السابقة من برنامج "لولا" الإصلاحي الاقتصادي يبقى الإشارة إلى الجانب اليساري من خطة الإصلاح الاقتصادي وهو الشق المتعلق بالإعانات الاجتماعية ورفع مستويات الدخل. وقد كان في قلب هذا الجانب هو سياسة الإعانة البرازيلية المعروفة بـ (بولسا فاميليا)، وهو برنامج بدأ منذ منتصف التسعينيات أي في عهد "كاردوسو" قبل وصول "لولا" للحكم، ولكنه استمر في متابعة هذا البرنامج ويعود له الفضل في توسيع نطاق المنفعة من هذا المشروع وضخ طاقة اكبر وأموال أكثر فيه. وقد كان إجمالي الإنفاق على البرنامج يصل إلى 0.5 % من إجمالي الناتج المحلى بتكلفة تقدر بين 6 و 9 مليار دولار . ويقوم البرنامج على أساس إعطاء معونات مالية للأسر الفقيرة بقصد رفع مستواها وتحسين معيشتها، على أساس أن تُعَرف الأسر الفقيرة بأنها الأسرة التي يقل دخلها عن 28 دولار شهريا. 

والمهم هو ربط هذه المعونات بشروط صارمة تشمل التزام الأسرة بإرسال أطفالها للتعليم والالتزام بالحصول على الأمصال واللقاحات للأطفال بشكل منتظم. وبعد التأكد من التزام الأسرة بالشروط السابقة، تحصل الأسرة على دعم بمتوسط يبلغ تقريبا 87 دولار شهريا وهو ما يعادل 40% من الحد الأدنى للأجر في البلاد، وتصرف الإعانة عن كل طفل بحد أقصى ثلاثة أطفال، كما تصرف هذه الإعانات للام بهدف ضمان صرفها لتحسين ظروف الأطفال والأسرة.

وقد كانت انجازات هذا البرنامج باهرة خلال العقد الماضي، فقد وصل عدد المستفيدين إلى نحو 11 مليون أسرة، وهو ما يعنى 64 مليون شخص بما يعادل حوالي 33% من الشعب البرازيلي. ويمكن توضيح معنى استفادة الأسر الفقيرة من البرنامج على النحو التالي، انه لم يكن مشروعا سحريا للقضاء النهائي على الفقر ولكنه كان مشروعا واقعيا أدى إلى نتائج ملموسة، مثل التمكن من العيش بشكل أفضل والحصول على الطعام واقتناء بعض السلع المعمرة لأول مرة في حياتهم.
إذا برامج "لولا" لم تقضى على الفقر تماما ولكنها حركت ملايين الأسر من منطقة الفقر إلى منطقة "الطبقة الوسطى الجديدة"، حيث تقول مؤسسة سيتيليم المتخصصة في أبحاث المستهلكين انه قد صعد أكثر من 23 مليون شخص من الطبقتين (د) و(و) إلى الطبقة (ج)، وهى الطبقة التي يتراوح دخلها من 457 إلى 753 دولارا شهريا .

وبشكل عام فقد ساعد برنامج (بولس فاميليا) في خفض مؤشر جينى بنسبة 21%، في حين أدت عمليات رفع الحد الأدنى من الأجور إلى خفض المؤشر بنسبة 32%. و يقول البنك الدولي أن دخل أفقر 10% من السكان يزيد بنسبة 9% سنويا في حين يزيد دخل الطبقات الأغنى بنسبة تتراوح بين 2-4% سنويا، وهذا يعنى تقليل الفجوة بين الطبقات بصورة تدريجية. إذا فقد توصل "لولا" اليساري إلى العدالة الاجتماعية عن طريق رفع الحد الأدنى للأجور وإعطاء الإعانات للأسر الفقيرة، وليس عن طريق تبنى سياسات التأميم، بمعنى انه ترك قمة المجتمع وعمل على تحسين قاعدة المجتمع.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى انه على الرغم من المساعي الحثيثة لمقاومة الفقر، إلا أن الفقر ما زال موجودا والتفاوت الاجتماعي مازال كبيرا. لكن المهم انه اقل مما كان وبنسب ومعدلات كبيرة وهذا يشير إلى أن الاستمرار على هذا المنوال سيعنى مزيدا من النجاح في إتمام الهدف.
وقد قال الرئيس لولا في احد اللقاءات التليفزيونية ردا على سؤال عن استمرار الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين فئات المجتمع البرازيلي، قال: (انه لا يمكن حل مشكلات 500 سنة في 8 أعوام فقط.... لقد بدأت عملية العدالة الاجتماعية وعليها أن تستمر لتؤتى ثمار اكبر... وأنا أرى ان المهم في التقدم الاقتصادي ليس التقدم على مستوى الناتج المحلى الاجمالى فقط ولكن الأهم هو الانجاز في مجال السياسات الاجتماعية أو العدالة الاجتماعية....لقد زاد دخل السكان السود في عهدي بنسبة 220%.... والفقراء أصبحوا يتسوقون من المراكز التجارية. وهو ما لم يكن متاحا لهم من قبل) 

7.
التوجه نحو التكتلات الاقتصادية

من جهة أخرى لم تكتفي البرازيل بالعمل على استخدام السياسات الاقتصادية الداخلية للنهوض بالاقتصاد البرازيلي، وإنما أيضا خطت خطوات متميزة على مستوى السياسات الاقتصادية الخارجية. من خلال منظمة (الميروكسور) وهى بمثابة السوق المشتركة لدول الجنوب وتشكلت باعتبارها اتفاقية للتجارة الإقليمية بين كل من البرازيل والأرجنتين وباراجواى واوروجواى في 1991 وعضوية غير كاملة لفنزويلا وبوليفيا. وهى تعد اليوم رابع اكبر قوة اقتصادية في العالم، وقد اهتمت سياسة "لولا" الاقتصادية على المستوى الخارجي بالقيام بدور قوى في التأثير على النظام الاقتصادي العالمي من خلال اجتماعات (الميركوسور). ويرصد الباحثون الاقتصاديون تنامي ذلك الكيان الاقتصادي الجنوبي في الوقت الذي يتدهور فيه الاتحاد الأوروبي.
وعلى جانب آخر شكلت البرازيل مع روسيا والصين والهند مجموعة (البريكس BRICS) في 2009 ثم انضمت لهم جنوب أفريقيا في 2010. ويعتبر تجمع لخمس دول تعد صاحبة اكبر اقتصاديات على مستوى الدول النامية، حيث يعادل الناتج الإجمالي المحلى لتلك الدول مجتمعة ناتج الولايات المتحدة. وقد قام هذا الكيان على أساس أطروحة مفادها انه بحلول 2050 ستنافس اقتصاديات تلك الدول اقتصاد أغنى دول العالم. وهى على اى حال تشكل واحدة من اكبر الأسواق العالمية وأسرع الاقتصاديات نموا في العالم.

............................

وخلاصة القول فإن إتباع سياسات التقشف أدى إلى استعادة الثقة في الاقتصاد البرازيلي ومن ثم زيادة الاستثمارات والإنتاج كذلك أيضا تشجيع الصناعة والزراعة وتشجيع السياحة كل ذلك أدى إلى فرص عمل ومن ثم زيادة الدخل للبرازيليين، ومن جهة أخرى ساعدت برامج الإعانة الاجتماعية بشكل مباشر إلى رفع مستوى الدخل وتحسن المستوى المعيشي للطبقات الفقيرة مما أدى إلى خلق قاعدة عريضة للطلب، وخاصة أن البرازيل دولة كبيرة في عدد السكان كان اغلبهم يعانى من الفقر الشديد وهو ما يعنى عدم القدرة على الشراء. ولكن مع تحسين دخلهم أصبحت هذه الطبقات تمثل قوة شرائية كبيرة ساعدت في ازدهار المشروعات الإنتاجية الوطنية ومثلت بديلا عن السوق الخارجي، وقد ظهر هذا بوضوح خلال فترة الأزمة العالمية في 2008، حيث كانت البرازيل اقل دول العالم تأثرا بالأزمة. فقد حققت البرازيل في هذا العام نموا وصل إلى 5.1% وذلك لاعتبار الاقتصاد البرازيلي اقتصادا مغلق نسبيا يعتمد على السوق المحلى بنسبة كبيرة.


خامسا: ترجمة النجاح الاقتصادي إلى مكاسب سياسية


من المهم الإشارة إلى انه مع وصول الرئيس السابق "لولا" إلى الحكم في 2003 لم يقتصر برنامجه الرئاسي على إصلاح الوضع الاقتصادي المتردي للبلاد فقط، بل أيضا كان له برنامج شديد الطموح فيما يخص السياسة الخارجية. وقد استخدم "لولا" ببراعة شديدة النجاحات الاقتصادية التي استطاع تحقيقها في فترة رئاسته الأولى للحصول على مكاسب في مسار السياسة الخارجية، ومن جهة أخرى وجه سياسته الخارجية النشيطة لتحقيق مكاسب اقتصادية جديدة وهكذا بالتوازي. 
إذا فقد كان برنامجه للسياسة الخارجية يقوم على أساس القيام بعمل دبلوماسي نشيط ليس فقط على المستوى الإقليمي داخل قارة أمريكا الجنوبية ولكن على المستوى الدولي، ويقوم على أساس احترام البرازيل للسيادة الوطنية للدول والحفاظ على علاقات تتسم بالسلمية مع كافة دول العالم، بل وأيضا مع طرفي العداء، بمعنى أن البرازيل في عهده قد التزمت بعلاقات ودية جدا مع الولايات المتحدة وكذلك أيضا إيران على الرغم من الصراع الدائر بين الدولتين. وقد شهدت فترة رئاسته تطورا ملحوظا في العلاقات البرازيلية الإيرانية، حيث استطاعت الدبلوماسية البرازيلية وفى قلبها شخصية الرئيس "لولا" أن تلعب هذا الدور ببراعة كبيرة والحفاظ على مسافات متساوية مع جميع الفرقاء، ولكن مع الاحتفاظ بدور فعال وليس مجرد التواجد على هامش المشهد الدولي.

وقد تميزت سياسة " بأمر غاية في الأهمية، ألا وهو معرفة حجم بلاده دون الوقوع في احد الخطأين وهما التهويل أو التقليل من الذات، وهو الأمر الذي يجعل قرارات السياسة الخارجية أكثر رشاده وتصب في مصلحة الداخل ولا تؤدى إلى دخول البلاد في مشكلات اقتصادية وسياسية لا قبل لها بها. ففي حديث للرئيس لولا في 2010 قال: (عندما نجحت في الانتخابات الرئاسية وقبيل تسلمي السلطة بشكل فعلى....ذهبت إلى واشنطن في 10/9/2002 وقابلت الرئيس الامريكى بوش وقلت له أن قضيتي ليست العراق ولكن قضيتي هي محاربة الفقر لشعبي ...) إذاملايين البرازيليين من الفقراء والجوعى فكيف لي أن اهتم بالعراق..) إذاذا فالرئيس "لولا" امتلك الحكمة التي جعلته لا يتورط في صراع مع الولايات المتحدة في بداية فترة حكمه، حيث انه تسلم دولة لديها جملة من المشكلات الاقتصادية وشعبا يعانى من الفقر والجوع. ولكن وفى فترة رئاسته الثانية وبعد أن تجاوزت البرازيل كبوتها الاقتصادية أبدى انطلاقا اكبر على مستوى السياسة الخارجية والتدخل في قضايا قد كانت من قبل بعيدة عن اهتمام حكام البرازيل أو هو نفسه، مثل الملف النووي الإيراني، ففي نفس الحديث التليفزيوني السابق الذي تحدث فيه عن موقفه من العراق يكمل قائلا: (لقد كانت قصة العراق أكذوبة ولذلك لا أريد تكرارها مع إيران) وبالفعل قامت الدبلوماسية البرازيلية بدور محوري في الدفاع عن حق إيران لامتلاك تكنولوجيا نووية، كما واجهت بالرفض الشديد لأي محاولة أمريكية لضرب إيران عسكريا كما عارضت فرض عقوبات على الأخيرة. إذا فيبدو أن الرؤية السياسية البرازيلية في عهده عبرت عن الارتباط الحكيم بين القوة الاقتصادية وبين اتخاذ مواقف فعالة في السياسة الخارجية.

من جهة أخرى تقوم البرازيل من خلال (البريكس) بمحاولة تقديم نفسها باعتبارها دولة صاعدة تسعى إلى وضع دولي أفضل يتمثل في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. وفى واقع الأمر فإن "لولا" لم يعلن عن مطلبه هذا فور وصوله إلى الحكم ولكنه بدأ في الإعلان عنه عقب نحو 3 سنوات، ثم زادت نبرة المطالبة بالعضوية مع كل تقدم اقتصادي وهو الأمر الذي مازال مستمرا إلى اليوم في فترة رئاسة خليفته "روسيف" باعتباره مطلبا لم يتحقق بعد.

كذلك فإن البرازيل في السنوات القليلة الماضية أصبحت احد الدول المقرضة للبنك الدولي بعد أن كانت مدينه له، ومن ثم استخدمت ذلك الوضع للمطالبة بكوته تصويتية اكبر للدول النامية.

في مشهد آخر وبعد تحقيق البرازيل لنموها الاقتصادي الكبير والذي تزامن مع التدهور الحاد الذي أصاب دول الاتحاد الأوروبي، نجد البرازيل تقوم بشراء السندات الحكومية البرتغالية في محاولة منها لمساعدتها، بل والأكثر فقد صرح "لولا" قبيل خروجه من الرئاسة بدعمه لفقراء أوروبا ورفضه فرض برامج التقشف عليهم. وهو بهذه السياسات يسعى لكسب دعم دولي له في قضية الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن باعتباره قطب اقتصادي وسياسي دولي صاعد.


سادسا: الدروس المستفادة من تجربة لولا الاقتصادية في البرازيل 

1.
ضرورة توفر الرؤية الواضحة، والإرادة السياسية القوية، والصدق والشفافية في التعامل مع الجماهير، حيث ترجمت الرؤية إلى برنامج عمل يتشكل من مجموعة من السياسات التي تؤدى إلى تحقيق الأهداف. بالإضافة إلى إرادة سياسية وعزيمة لتنفيذ ذلك البرنامج رغم أي صعوبات. وقد واجهت "لولا" صعوبات كبيرة في بداية فترته الأولى وكان أهمها ضرورة التزامه ببرنامج التقشف وتكمن صعوبة هذا الأمر في أن "لولا" اليساري قد تم اختياره من قبل الشعب البرازيلي لأسباب رئيسية تتعلق بحل مشاكل الفقراء ومقاومة الجوع وقد كان من المنطقي أن تؤدى سياسات التقشف إلى مزيد من معاناة الفقراء. لكن الدرس الحقيقي المستفاد من هذا الموقف هو أن صدقه وإعلانه بكل شجاعة إلى شعبه انه لا مفر من الالتزام بهذا البرنامج للخروج من الأزمة الاقتصادية وتوجهه بشكل مباشر إلى الشعب ليطلب دعمه في تنفيذ برنامجه الاقتصادي هو ما كتب له النجاح. وعلى النقيض فقد اتبعت الحكومات المصرية المتعاقبة بعد الثورة أسلوب المغالاة في إعطاء الوعود بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال اتخاذ إجراءات فورية مثل رفع الحد الأدنى للأجور والالتزام بتعيينات حكومية على نطاق واسع وغيرها من السياسات التي لم تتخذ في إطار رؤية شاملة وبرنامج مدروس للنهوض بالاقتصاد المصري، بل لم تكن أكثر من مسكنات هدفها الأول والأخير هو تهدئة الشارع المصري وكسب رضاءه، ولم يمتلك اى من المسئولين في السلطة سواء الحكومة أو المجلس العسكري أو حتى البرلمان المنتخب شجاعة الحديث بصدق عن حقيقة الممكن والمتاح تقديمه لتحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة الفقر وسوء الخدمات التعليمية والصحية والعشوائيات وأطفال الشوارع ومأساة الحد الأدنى للأجور وغيرها من المشكلات العضال التي يعانى منها المجتمع المصري ولا يختلف احد على استفحال هذه المشكلات، لكن كان من الأجدر أن تعالج وفقا لبرنامج محدد وليس بالطريقة التي تمت لكسب تأييد شعبي مؤقت.


2.
إن ما تحقق من انجاز اقتصادي كبير على ارض الواقع في البرازيل، لم يكن ليتم في غياب ذلك المناخ الديمقراطي الراسخ. ومن المهم الإشارة إلى أن "لولا" لم يكن منوطا بتنفيذ الأمرين وهما التحول الديمقراطي والنمو الاقتصادي معا، ولكنه وصل إلى الحكم بعد نحو 17 عاما من بدأ عملية التحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية المؤسسية بعد فتر طويلة من الحكم العسكري القمعي في البلاد. واعتقد أن "لولا" لم يكن له أن يحقق هذا التقدم الاقتصادي في ظل غياب الديمقراطية أو حتى في أثناء سنوات التحول الديمقراطي الأولى. فعلى الرغم من أن النجاح والتقدم الاقتصادي كان حليفه إلا انه لا يمكن إغفال وضع بذور الإصلاح في عهد سلفه "كاردوسو"، حتى أن برنامج (بولسا فاميليا) الشهير انطلق في عهد "كاردوسو" كذلك أيضا إنشاء منظمة (الميروكسور) الإقليمية كما سبقت الإشارة. إذا لا ينبغي التصور أن أي رئيس أو حكومة قادمة في مصر يمكن أن تمتلك عصا سحرية لتحقيق النمو الاقتصادي الفوري في الوقت نفسه إتمام عملية الانتقال الديمقراطي.

3.
كما أن تحقيق النجاح واكتساب الشعبية العارمة لم تجعل "لولا" يستغل ذلك ويسعى لتغيير الدستور البرازيلي ليتمكن من إعادة ترشيحه مرة ثالثة كما فعل جاره "شافيز" في فنزويلا، على الرغم من التأكيد أن هذا الأمر كان بالفعل مطلبا برازيليا شعبيا حقيقيا. ولكن "لولا" أعلن انه يفضل أن تحافظ البرازيل على قواعد الديمقراطية ومكتسباتها، وألا يعيد إلى بلاده آليات نظام عانى هو وزملاءه في النضال من اجل التخلص منه. وبالفعل قد كانت تلك هي حقا آفة النظام المصري قبل ثورة يناير بل ومعظم الأنظمة العربية الأخرى، وهى بقاء الرئيس في السلطة لفترات متعاقبة حتى الموت، بل والأكثر من ذلك الرغبة في توريث السلطة. والمهم عقب الثورة هو عدم تكرار هذا النموذج وعدم بقاء شخص واحد في السلطة مهما كانت انجازاته لان الحفاظ على آليات الديمقراطية هو الضمانة الحقيقية لعدم ظهور الفساد واستفحاله، وان المهم ليس فوز مرشح اى تيار في الانتخابات الرئاسية، بل الأهم هو ضمان إمكانية إسقاط هذا المرشح مرة أخرى أن لم يحقق النجاح من خلال صندوق الاقتراع، لا أن يكون وصوله معناه إلغاء الديمقراطية والعودة إلى نموذج الرئيس اللانهائي، والواقع فإن "لولا" قد خاض غمار الانتخابات الرئاسية وفشل ثلاث مرات في 1990 و1994 و1998، ثم حقق النجاح في المرتين الرابعة في 2002 والخامسة في 2006، ومن الممكن أن يخوضها مرة أخرى في انتخابات 2014.

4.
كذلك أيضا تقدم التجربة البرازيلية تصورا عن حل المشكلات المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والفقر يلخص في أن هذا الأمر لا ينبغي أن يتم بعيدا عن مراعاة حقوق الطبقات الغنية، ليس فقط باعتبارهم جزء من مواطني الدولة لهم كافة الحقوق وإنما أيضا من باب أن حماية حقوق المستثمرين ورجال الأعمال المحليين والأجانب يؤدى إلى انتعاش الأسواق وزيادة فرص العمل وهو ما يصب في النهاية لصالح النمو الاقتصادي بشكل عام وتحسين حالة الطبقات الفقيرة بشكل خاص. ولكن مع التأكيد انه لا يمكن إغفال ضرورة وجود برامج للإعانة الاجتماعية إلى جانب قرارات مباشرة من الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور، لضمان ألا يصب النمو الاقتصادي فقط في مصلحة الأغنياء ومن ثم يؤدى إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء كما حدث في معظم دول العالم منذ التسعينيات، حيث ظهرت وانتشرت الأفكار الليبرالية الجديدة التي قدمتها مدرسة شيكاغو والتي تبنتها العديد من دول العالم الثالث وعلى أساسها تبنت مصر منهج الخصخصة وسياسات السوق الحر بالإضافة إلى الفساد ذو الطابع المصري الخاص، وفى النهاية عاشت مصر خلال العقدين الماضيين حالة من تآكل الطبقة الوسطى ونزوح الملايين إلى مرتبة الطبقة الفقيرة واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء بدرجة مستفزة، حتى أصبحت العدالة الاجتماعية والحصول على العيشة الكريمة احد مطالب ثورة يناير. والمهم هنا في مصر هو عدم الوقوع في خطأ الانقلاب التام إلى النقيض واللجوء إلى تكرار أخطاء التأميم والردة عن اقتصاديات السوق الحر برمته وإنما ترشيد تلك السياسات وتنقيتها من شبهة الفساد والتربح الشخصي، ولنا في "لولا" اليساري مثال يحتذي في عدم التوحش في استخدام السياسات الاشتراكية.

5.
في درس آخر يتعلق ببرامج الإعانات الاجتماعية، فقد قدم برنامج (بولسا فاميليا) تجربة تستحق الدراسة والتكرار، فهو لم يكن برنامج لإعطاء أقساط مالية لمساعدة الفقراء فقط،وإنما كان برنامجا مشروطا كما سبقت الإشارة، حيث أن المواطن لا يحصل على هذه الإعانة في حالة عدم التزامه بإرسال أولاده إلى المدارس أو عدم التزامه بإعطائهم الأمصال الوقائية. إذا فقط كان هدف البرنامج هو مساعدة الأسر حتى تستطيع أن تترك الأطفال يتعلمون ولا يجبروهم على ترك الدراسة من اجل العمل، وهنا تكمن الاستفادة الحقيقية وهى تحويل مسار أبناء الفقراء حتى لا يكون الفقر والمرض وراثيا وطبقيا. وكذلك كم تحتاج مصر إلى مثل هذا النموذج من برامج الإعانة المشروطة. فعلى الرغم من عدم وجود إعانات حكومية تذكر في العهد السابق إلا انه لا يمكن إغفال دور الجمعيات الخيرية الإسلامية والمسيحية والشبابية التي انتشرت في مصر انتشارا بالغا، حتى أن كثير من برامج التليفزيون الشهيرة قد انخرطت هي الأخرى في هذا الدور وعملت كحلقة وصل بين طالبين المساعدات وبين المانحين، لدرجة أن من يتابع هذا المجال في مصر يفاجأ بأن هناك قطاع لا بأس به من المصريين يحصلون على طعامهم ودواءهم وملبسهم بالكامل دون أدنى عمل أو وظيفة من خلال إعانات شبه ثابتة من هذه الجمعيات، لكن ظلت هذه الطبقات تورث الفقر والمرض والجهل من جيل لآخر بل وتتسع بسبب إقبالها الكبير على الإنجاب، فالمهم هو ليس إعطاء الإعانات الاجتماعية بل المهم هو أن تكون مشروطة بالتعليم والصحة لأنه قد آن الأوان لكسر هذه الحلقة المغلقة التي تفرز مزيدا من الأطفال الأميين والمرضى والفقراء.

6.
الاهتمام بتطوير الإنتاج المحلى سواء الزراعي أو الصناعي وفى الوقت نفسه إتباع سياسات اقتصادية تكون من شأنها رفع القدرة الشرائية المحلية، لحماية الاقتصاد الوطني من أن يكون عرضة للازمات الاقتصادية العالمية والتي تعصف بالاقتصاد العالمي اليوم. والمجتمع المصري الذي يقترب في عدد سكانه من 90 مليون نسمة من الممكن أن يمثل طاقة إنتاجية كبيرة ومتنوعة، بالإضافة إلى كونه سوقا واسعا. ولا يمكن إغفال أن هذا هو ما جعل البرازيل تكون اقل دول العالم تأثرا بالأزمة المالية العالمية الأخيرة والتي وصلت ذروتها في 2008. 

7.
في درس آخر ربما يكون اقرب إلى السياسة الخارجية، يتعلق بضرورة الوقوف على حقيقة قوة الدولة اقتصاديا، بمعنى عدم الدخول في صراعات خارجية قد تكلف الدولة مزيدا من الأعباء في مرحلة النهوض، وقد سبقت الإشارة إلى أن "لولا" أعلن بمنتهى الوضوح انه لا يمكنه الاهتمام بما يحدث في العراق في 2003، لأنه ما زال في عامه الأول من الرئاسة وما زال أمامه عمل طويل في مكافحة الجوع. إذاً فمن المهم جدا في البداية أن تصب كافة الجهود على حل مشكلات الداخل ثم في وقت لاحق تستخدم هذه النجاحات الاقتصادية لمزيد من النجاح في السياسة الخارجية، ولعل فنزويلا قدمت نموذجا على نقيض نموذج البرازيل، على الرغم من انتماء كل من الرئيسان "لولا" و"شافيز" إلى التيار اللاتيني اليساري بما يحمله من سخط على سياسة الولايات المتحدة في القارة الجنوبية، إلا أن "لولا" عرف قدراته وإمكانياته وسعى لتحسين أوضاع شعبه وهذا لم يمنعه في النهاية من اتخاذ مواقف مخالفة للمصالح الأمريكية مثل حملته الكبيرة لجمع اكبر تأييد لقضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو حتى مساعيه الدبلوماسية الثنائية مع تركيا لإيجاد مخرج لإيران من أزمة ملفها النووي، ولكن كل هذا تم في إطار موضوعي وعملي، أما "شافيز" فقد بذل كثير من الجهد والمال في شن حروب كلامية ودبلوماسية على الولايات المتحدة في الوقت الذي لم يقدم انجازا ملموسا على ارض الواقع ولم تحقق فنزويلا وهى خامس اكبر منتج للنفط في العالم أي تقدم اقتصادي ملحوظ.


8. وأخيرا يجدر الإشارة إلى أن التجربة البرازيلية لم تكن فقط تجربة "لولا دا سيلفا" أو سلفه "كاردوسو" أو خليفته "روسيف"، بل هي تجربة نجاح ما كان لها أن تحدث لو لم تتوفر إرادة شعبية حقيقية ووعى جماهيري لأهمية النهوض، فالشعب البرازيلي بطبقاته الفقيرة هو من تحمل أعباء سياسات التقشف حتى تعافى الاقتصاد البرازيلي وهو الذي ينتج ويصدر رغم وجود عصابات المخدرات، كما انه هو من استطاع تقديم عروض ناجحة وقوية وصادقة مكنت البرازيل من الحصول على تنظيم أهم حدثين رياضيين في العالم وهما بطولة كأس العالم في 2014 بعد منافسة قوية مع الولايات المتحدة والتي كان يتزعم حملة الترويج لها الرئيس اوباما بنفسه، بالإضافة إلى الألعاب الاوليمبية في 2016 والتي فازت بها ريو دى جانيرو بعد منافسة قوية مع مدريد لتكون بذلك أول دولة في أمريكا الجنوبية تقام بها الاولمبياد في التاريخ، وقد قال لولا في كلمة مؤثرة تعليقا على فوز بلاده بتنظيم الاولمبياد وهو يبكى "لقد ساعدت روح البرازيل مدينة ريو على الفوز بالأولمبياد في مواجهة مدريد وشيكاغو وطوكيو، لقد قدمت المدن الأخرى عروضا بينما قدمنا قلبا وروحا"، وأضاف "أعترف لكم بأنني لو مت الآن فإن حياتي ستكون ذات معنى وقيمة، لا يمكن لأحد الآن أن يشكك في قوة الاقتصاد البرازيلي وعظمتنا الاجتماعية وقدرتنا على تقديم خطة ناجحة" . وكم تحتاج مصر اليوم وبعد ثورة أسقطت نظاما سياسيا افسد مصر ماليا واقتصاديا فسادا بالغا إلى مثل هذه الروح والعزيمة الشعبية للخروج من عثرتها الاقتصادية.












تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور السياسات الاقتصادية في تحقيق منظومة الاستقرار الاقتصادي

دور السياسات الاقتصادية في تحقيق منظومة الاستقرار الاقتصادي من المهم التركيز على أهمية التنسيق بين السياسات الاقتصادية من أجل التوصل إلى استقرار اقتصادي تتجلى مظاهره في استمرار تحقيق لمعدلات نمو اقتصادي تواجهه التزايد المستمر في عدد السكان،  وفى إيجاد فرص عمل لاستيعاب البطالة التي تهدد السلم الاجتماعي والأمن الاقتصادي، وكذلك في أستقرر للمستوى العام للأسعار بما يحفظ للنقود قوتها الشرائية في الداخل والخارج. إن تحقيق الاستقرار الاقتصادي، كهدف لكل سياسات التنمية في دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، يستلزم التكامل بين الإجراءات المتخذة باستخدام الأدوات المتنوعة لكل السياسات الاقتصادية. إن هذا التكامل يشكل فيما بينها منظومة تتناسق أجزاؤها وتتفاعل أركانها،  حيث تؤثر كل أداة وتتأثر بالأدوات الأخرى على نحو متناغم ومتوازن من أجل تحقيق الغاية التي يسعى المجتمع دائماً إليها وهى الاستقرار الاقتصادي. وهكذا يمكن النظر إلى الفكر المنظومي باعتباره إطاراً للتحليل والتخطيط يمكننا من التقدم نحو أهداف واجبة التحقيق. تعرف"المنظومة "بأنها ذلك التركيب الذي يتألف من مجموعة من الأجزاء ا

جحيم البطالة / ظلام التضخم / فاشية الدولار / وانبطاح الجنيه

بداية اذا اجتمع عنوان هذا المقال في اقتصاد دولة ما فاعلم أنك لست في جمهورية الموز بل أنت في عرين الفساد والجهل . ولكي نستوعب حجم الكارثة في هيكل الاقتصاد المصري سنقسم عنوان المقال الي أجزاء في كل جزء نتعرف علي مفهومه ثم نحلل العلاقة بين كل جزء ونعني بالجزء هنا المصطلح ( بطالة / تضخم / سعر الصرف ) أولا :- البطالة – البطالة هي عجز نسبة من القوي البشرية القادرة علي العمل ( عدد السكان – الاحداث – المتقاعدين – الغير قادرين علي العمل بسبب الاعاقة = القوي القادرة علي العمل ) عن ايجاد فرص عمل أو هي الفرق بين الطلب علي العمل وعرض العمل وتحليل أنواع البطالة يؤدي الي اشكال متعددة نذكر أهمها مثل البطالة الاجبارية والتي تعني عجز قطاعات الانتاج عن استيعاب طالبي العمل والبطالة الهيكلية الناتجة عن سوء توزيع العمالة في الدولة والبطالة الموسمية والتي تعني تعطل شريحة بسبب ان مهنتهم موسمية والبطالة المقنعة مثل موظفي الحكومة الذين نسبة انتاجيتهم الحدية تساوي صفر نتيجة عدم وجود عمل حقيقي يقومون به السبب الرئيسي للبطالة ( انخفاض حجم الجهاز الانتاجي / الاستثمارات – زيادة الطلب عن العرض مع غياب دور

تحليل مبسط لبندي اجمالي الايرادات والمصروفات لموازنة 2016 – 2017

تحليل بندي اجمالي الايرادات والمصروفات لموازنة 2016 – 2017 بلغت الايرادات المتوقعة لموازنة 16 -17 ما مقداره 631.1 مليار جنيه بينما بلغت في موازنة 15-16 قدر 622.3 مليار بمقدار زيادة 8.8 مليار بمعدل زيادة 1.4 % عن ايرادات 15-16 في حين بلغت مصروفات 16-17 مقدار 936.1 مليار بينما كانت المصروفات المتوقعة ل 15-16 هي 864.6 مليار أي ان المصروفات زادت بمقدار 71.5 مليار بمعدل زيادة يبلغ 8.3 % . وهذا يعني ان معدل الزيادة في المصروفات ( 8.3 % ) أكبر من معدل الزيادة في الايرادات ( 1.4 % ) ليس بضعف او اثنان بل بست أضعاف فكما هو معلوم ومستقر في علم الاقتصاد والمالية العامة فانه اذا كانت معدل النمو في المصروفات يفوق معدل النمو في الايرادات فهذا يعني ويشير صراحة الي وجود فشل اقتصادي يتطلب اعادة الهيكلة فاذا ما اخذنا في الاعتبار الست اضعاف الفارق فنحن بصدد كارثة تهدد بالإفلاس . خاصة وان كل الحكومات والانظمة السابقة والحالية فشلت في اعادة الهيكلة وعلاج التشوهات الهيكلية بالاقتصاد . مما يعني استمرار تفاقم المشاكل الكلية للاقتصاد مثل (( التضخم والبطالة والدين العام والعجز الهيكلي في الموازنة ))