التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رؤية نقدية لدور صندوق النقد الدولي


بداية يجب أن نوضح حقيقة مهمة جدا نري انها وليدة نظرية المؤامرة الكونية التي يتشبع بها غالبية العقل الجمعي المصري نتيجة تصدير الحكام لها للتغطية علي فشلهم في السياسة والادارة . فتأثرت بها بعض قوي المعارضة استخدمتها هي الاخري ضد الحاكم نفسه . صندوق النقد الدولي لا يسعي لافشال أي من دول العالم فالغرض الاساسي والفلسفة من انشيء صندوق النقد هو توفير العملة الصعبة للدول التي تمر بخلل ( مؤقت ) في ميزان مدفوعاتها أدي الي انخفاض حاد في ايرادتها من العملة الصعبة مما أدي الي حدوث تعسر في الوفاء بالتزامتها قصيرة الاجل بالعملة الصعبة سواء واردات او اقساط ديون او غيرها . وكان السبب الرئيسي لهذا الطرح هو تدارك أخطأ الحرب العالمية الاولي حيث كانت المانيا تصدر بشكل رئيسي الي السوق الامريكية ومع حدوث أزمة الكساد الكبير الامريكية وتراكم المخزون السلعي بأمريكا توقفت امريكا عن الاستيراد من المانيا مما خلق موجة تضخم رهيبة وارتفاع حاد في الاسعار بما عصف بالشعب الالماني الي اوضاع اجتماعية صعبة جدا أدت لاحقا الي ظهور وانتشار النازية وبالتالي اجتياح هتلر لاوربا وما تبع ذلك . أيضا فأن الصندوق لا يجبر أي دولة علي الاستدانة منه بل الدول هي التي تختار ذلك من عدمه وكل ما يهم الصندوق هو التأكد من أن الدول المقترضة لديها القدرة علي السداد وهذا عمل الموظفين بالصندوق والذي يتكون من عضوية 189 دولة وتساهم كل دولة في الصندوق بما يتناسب مع حجم اقتصادها نسبة الي الاقتصاد العالمي . كذلك فيجب أن يكون معلوم أن صندوق النقد يفترض في الحكومات أنها كلها حكومات رشيدة لا تدعم فسادا وتقدم الاكفاء لتولي المناصب بها و تعمل علي تعظيم المباديء العالمية المعتمدة كحقوق الانسان والمواطنة والعدالة وانها حكومات مختارة وفقا لارادة الشعوب الحرة ولهذا تجد شروط التكييف الهيكلي هي شروط ثابتة في منح القروض لدي الصندوق وهذا خطأ بليغ ويجب علي الصندوق مراجعته لسببين هامين هما 1- أن ليس كل حكومات الدول الاعضاء بالصندوق حكومات رشيدة منتخبة بارادة حرة . 2- أن ليس كل الدول يتناسب معها برامج التكييف الهيكلي . وسوف نتحدث فيما يلي عن أهمية مراجعة الصندوق لهذين السببيين بشيء من التفصيل . أولا:- أن ليس كل حكومات الدول الاعضاء بالصندوق حكومات رشيدة منتخبة بارادة حرة . أن مسئولي الصندوق وكل الدول الاعضاء يعلمون أنه ليس هناك نمو اقتصادي وسياسة اقتصادية رشيدة في ظل عدم وجود استقرار سياسي والاستقرار السياسي لا يعني حكومة مستبدة تمارس القمع وتهدر حقوق الانسان ومعرضة للثورات او التقلبات في أي وقت بل الاستقرار السياسي هو تداول سلمي للسلطة وادارة الصراع السياسي وفقا لقواعد المنافسة السياسية التي تعطي لجميع القوي السياسية مساحة متساوية في الطرح والعمل العام والبرامج والنقد للأخر في ظل قواعد من الشفافية يضمنها القانون وتقوم القوة الجبرية التنفيذية للقانون بانفاذها بشكل عادل علي كافة القوي السياسية سواء من هم بالسلطة او المعارضة . وبالتالي فأن هذا الوضع سوف يدفع القوي السياسية المتنافسة الي تقديم أفضل ما لديهم من برامج وأشخاص يتقلدون مراكز المسئولية مما ينتج عنه افضل سياسات اقتصادية ممكنة وهذا لا يحقق فقط للصندوق هدف استرداد أمواله ولكن ايضا يحقق هدف عدم امكانية ظهور لنازية أخري قد يكون حجمها لا يكون بحجم نازية هتلر علي العالم ولكنه يجنب جزء من العالم تلك النازية ويعظم من تطبيق القيم العالمية لحقوق الانسان والمواطنة والحكومات الرشيدة ويضيف قوة اقتصادية جديدة للعالم تزيد من حصتها بالصندوق فتصبح مصدر ثابت للتمويل وليس عبيء علي الصندوق والعالم . ثانيا :- أن ليس كل الدول يتناسب معها برامج التكييف الهيكلي . وبرامج التكييف الهيكلي الغرض منها تحقيق التوازنات الكلية ومعالجة الاختلالات مثل علاج عجز الموازنة وتنشيط الاستثمار والصادرات لتوفير موارد مالية للدولة تجعلها قادرة علي الوفاء بالتزامتها ومعالجة البطالة والسيطرة علي التضخم ومع ثبات برامج التكييف الهيكلي للصندوق دون مراعاة للمتغيرات الحقيقية المختلفة من اقتصاد لاخر وعدم الاكتراث بالمناخ السياسي ورشادة الحكم فان تلك البرامج لا تنجح بشكل مستمر ومتواصل فمثلا . هذه البرامج تسببت في هزات اجتماعية قوية في دول مثل الارجنتين والبرازيل وتشيليوكذلك اليونان بأوربا وأدت الي نجاح وعبور للأزمة في دول مثل النمور الاسيوية الفارق بين النموذجين أن الاقتصاديات في امريكا اللاتينية كانت متأزمة بسبب عيوب هيكلية وهذه العيوب السبب فيها حكومات غير رشيدة تتحكم فيها مراكز النفوذ والاحتكار والعصابات وكل المسئوليين يبحثون عن ارضاء من وضعهم في المنصب بصرف النظر عن شخص كان او مجموعة اشخاص يشكلون مركز للنفوذ مهتم بالاستمرار في الوضع الحالي ليستمر تحقيق تدفقاتهم النقدية والارباح المرتفعة علي حساب العدالة الاجتماعية ومشروعية عدالة توزيع الدخل ورعاية الطبقات الاجتماعية الفقيرة وبالتالي اي قروض تحصل عليها الدولة من المؤسسات الدولية تضخ لعلاج العجز في الموازنة بسد متطلبات الانفاق الاستهلاكي والاجور والرواتب والمعاشات غير المنتجة وبالتالي تتأجل اثار الازمة الي أن تحل بقرض اخر في وقت تالي مستقبلا وهكذا بينما انه اذا كان هناك نمو بالفعل فان النسبة الاكبر منه تذهب الي القلة القليلة نسبة لعموم الشعب من اصحاب مراكز النفوذ والسلطة والثورة كما كان الوضع في عهد مبارك . وبالتالي فهنا لم تؤدي قروض الصندوق الي علاج حقيقي للاختلالات الاقتصادية بل وفرت الدعم لقوي الاستبداد والفساد وأجلت الازمة للمستقبل فساءت سمعة الصندوق واتهم بافقار الشعوب واستمرت الشعوب في حالة الفقر والقمع في انتظار ثورة تخلصها من هذا الوضع المظلم . أما في حالة التجارب الناجحة والمستفيدة من قرض الصندوق مثل النمور الاسيوية فان هذه الدول لم تكن لديها عيوب هيكلية في الاقتصاد مثل عجز الموازنة أو عدم تساوي الادخار مع الاستثمار لدرجة أن دولة مثل ماليزيا رفضت القرض والتعامل مع الصندوق وكل دول الازمة من النمور مرت من الازمة الاقتصادية بسلاسة من اخذ قرض الصندوق ومن لم يأخذ لأن السبب الرئيسي للازمة هو عجز ميزان المدفوعات ونقص حاد في العملة الصعبة يصعب معه وفاء النمور الاسيوية بالتزامتها بالعملة الصعبة قصير الاجل حيث ان مع بداية النمو في التسعينات للنمور الاسيوية وحالة التوقعات الشديدة لها في كل العالم بتحقيق نمو ومعدل ارباح مجزي للمشروعات تسابق المستثمريين لشراء الاراضي والعقارات وتأسيس الشركات فأدي ذلك الي تحويل اموال ضخمة في شكل اسثمارات مباشرة ومع خروج أرباح المسثمريين لعدة دورات متعاقبة حدثت تلك الازمة المؤقتة ومع سلامة وعنفوان الهيكل الاقتصادي ورشادة الحكم تجاوزت تلك الدول الازمة من تعامل منهم مع الصندوق ومن لم يتعامل اذن مما سبق يتضح أن الازمة الحقيقية في وجود اقتصاد غير مشوه هيكليا ووجود هذا الاقتصاد يعتمد علي وجود حكم رشيد ووجود الحكم الرشيد يعتمد علي الاستقرار الاقتصادي القائم علي الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والمنافسة السياسية التي يحميها القانون والقائمين علي تنفيذ القانون دون محاباة أو تمييز لأي فصيل عن اخر في السلطة كان أو معارض . هذا وسوف نستعرض لاحقا معا قرض الصندوق لمصر وازمة الدولار . في موضوع واحد باحث أقتصادي / أيمن غازي أيمن غازي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دور السياسات الاقتصادية في تحقيق منظومة الاستقرار الاقتصادي

دور السياسات الاقتصادية في تحقيق منظومة الاستقرار الاقتصادي من المهم التركيز على أهمية التنسيق بين السياسات الاقتصادية من أجل التوصل إلى استقرار اقتصادي تتجلى مظاهره في استمرار تحقيق لمعدلات نمو اقتصادي تواجهه التزايد المستمر في عدد السكان،  وفى إيجاد فرص عمل لاستيعاب البطالة التي تهدد السلم الاجتماعي والأمن الاقتصادي، وكذلك في أستقرر للمستوى العام للأسعار بما يحفظ للنقود قوتها الشرائية في الداخل والخارج. إن تحقيق الاستقرار الاقتصادي، كهدف لكل سياسات التنمية في دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، يستلزم التكامل بين الإجراءات المتخذة باستخدام الأدوات المتنوعة لكل السياسات الاقتصادية. إن هذا التكامل يشكل فيما بينها منظومة تتناسق أجزاؤها وتتفاعل أركانها،  حيث تؤثر كل أداة وتتأثر بالأدوات الأخرى على نحو متناغم ومتوازن من أجل تحقيق الغاية التي يسعى المجتمع دائماً إليها وهى الاستقرار الاقتصادي. وهكذا يمكن النظر إلى الفكر المنظومي باعتباره إطاراً للتحليل والتخطيط يمكننا من التقدم نحو أهداف واجبة التحقيق. تعرف"المنظومة "بأنها ذلك التركيب الذي يتألف من مجموعة من الأجزاء ا

جحيم البطالة / ظلام التضخم / فاشية الدولار / وانبطاح الجنيه

بداية اذا اجتمع عنوان هذا المقال في اقتصاد دولة ما فاعلم أنك لست في جمهورية الموز بل أنت في عرين الفساد والجهل . ولكي نستوعب حجم الكارثة في هيكل الاقتصاد المصري سنقسم عنوان المقال الي أجزاء في كل جزء نتعرف علي مفهومه ثم نحلل العلاقة بين كل جزء ونعني بالجزء هنا المصطلح ( بطالة / تضخم / سعر الصرف ) أولا :- البطالة – البطالة هي عجز نسبة من القوي البشرية القادرة علي العمل ( عدد السكان – الاحداث – المتقاعدين – الغير قادرين علي العمل بسبب الاعاقة = القوي القادرة علي العمل ) عن ايجاد فرص عمل أو هي الفرق بين الطلب علي العمل وعرض العمل وتحليل أنواع البطالة يؤدي الي اشكال متعددة نذكر أهمها مثل البطالة الاجبارية والتي تعني عجز قطاعات الانتاج عن استيعاب طالبي العمل والبطالة الهيكلية الناتجة عن سوء توزيع العمالة في الدولة والبطالة الموسمية والتي تعني تعطل شريحة بسبب ان مهنتهم موسمية والبطالة المقنعة مثل موظفي الحكومة الذين نسبة انتاجيتهم الحدية تساوي صفر نتيجة عدم وجود عمل حقيقي يقومون به السبب الرئيسي للبطالة ( انخفاض حجم الجهاز الانتاجي / الاستثمارات – زيادة الطلب عن العرض مع غياب دور

تحليل مبسط لبندي اجمالي الايرادات والمصروفات لموازنة 2016 – 2017

تحليل بندي اجمالي الايرادات والمصروفات لموازنة 2016 – 2017 بلغت الايرادات المتوقعة لموازنة 16 -17 ما مقداره 631.1 مليار جنيه بينما بلغت في موازنة 15-16 قدر 622.3 مليار بمقدار زيادة 8.8 مليار بمعدل زيادة 1.4 % عن ايرادات 15-16 في حين بلغت مصروفات 16-17 مقدار 936.1 مليار بينما كانت المصروفات المتوقعة ل 15-16 هي 864.6 مليار أي ان المصروفات زادت بمقدار 71.5 مليار بمعدل زيادة يبلغ 8.3 % . وهذا يعني ان معدل الزيادة في المصروفات ( 8.3 % ) أكبر من معدل الزيادة في الايرادات ( 1.4 % ) ليس بضعف او اثنان بل بست أضعاف فكما هو معلوم ومستقر في علم الاقتصاد والمالية العامة فانه اذا كانت معدل النمو في المصروفات يفوق معدل النمو في الايرادات فهذا يعني ويشير صراحة الي وجود فشل اقتصادي يتطلب اعادة الهيكلة فاذا ما اخذنا في الاعتبار الست اضعاف الفارق فنحن بصدد كارثة تهدد بالإفلاس . خاصة وان كل الحكومات والانظمة السابقة والحالية فشلت في اعادة الهيكلة وعلاج التشوهات الهيكلية بالاقتصاد . مما يعني استمرار تفاقم المشاكل الكلية للاقتصاد مثل (( التضخم والبطالة والدين العام والعجز الهيكلي في الموازنة ))