يعاني الهيكل الاقتصادي لمصر من مشاكل هيكلية جوهرية وحقيقة الامر هو أن تلك المشاكل نتجت بشكل متراكم علي مدار عقود والسبب الجوهري لهذا التراكم هو غياب الرؤية وعمل مؤسسات الدولة علي شكل جزر منعزلة وباستخدام طرق تعد كلها مسكنات للالم وحلول لحظية لا تراعي ديناميكية الاقتصاد الكلي ولا يتم تفيذها في ظل استراتجية جامعة للجهود معظمة للقيمة المضافة .
فاذا استعرضنا أهم المشاكل الهيكلية للاقتصاد المصري التي لا يختلف عليها أحد فتأتي في المرتبة الاولي مشكلة عجز الموازنة فقد ارتفع عجز الموازنة العامة من 9.8% من إجمالي الناتج المحلي للسنة المالية 2010/2011 إلى 13.8% للسنة المالية 2013/2014 .
ونتيجة لتمويل هذا العجز عن طريق الاقتراض تأتي المشكلة الهيكلية الثانية بالغة الخطورة وهي مشكلة ارتفاع الدين العام الداخلي والخارجي حيث ارتفع من 76.6% من إجمالي الناتج المحلي إلى 90.5% في نفس الفترة. زاعلنت وزارة المالية في البيان التمهيدي لموازنة 2015/2016 عن وصول حجم الدين العام الي 95.5 % من حجم الناتج المحلي الاجمالي
واذا تتبعنا تاريخ الدين العام لمصر وتطوره سيتضح لماذا نقول أن مشاكل الهيكل الاقتصادي لمصر مشاكل تراكمية فمع زيادة عدد السكان وزيادة متطلبات الانفاق العام بشكل جنوني لم يكن هناك توسع في حجم الانتاج الحقيقي او بمعني اخر توسيع قاعدة الاقتصاد الانتاجي الذي يوفر فرص عمل للخريجين وبالتالي تزيد دخول افراد المجتمع فيزيد الطلب الكلي فتزيد الاستثمارات وتزيد الضرائب المحصلة فيتوفر لدي الحكومة عوائد مالية تسطيع من خلالها مواجهة الزيادة في الانفاق دون اللجوء الي الاقتراض خارجيا وداخليا فتعيد الدورة نفسها في شكل ديناميكي فيدير الاقتصاد نفسه ذاتيا وبالطبع كل ذلك له أدواته التي اذا ما دققنا في تفاصيلها سنجد من ضمن هذه الادوات التعليم والصحة المسئولين الرئيسين عن مخرجات حجم قوة العمل . فلا يختلف احد علي سوء مخرجات التعليم والصحة مما انعكس انتاجية العامل المصري الذي يعد الاقل انتاجية علي مستوي العالم اضف الي ذلك البيرواقراطية والنظم الادارية البالية التي تقضي علي اي فرص او محاولات لاصلاح ما هو قائم .
وما سبق نتج عنه المشكلة الهيكلية الثالثة وهي البطالة حيث بلغ معدل البطالة 13.4%، محققة اعلي مستوي لها في شريحتي الشباب والمرأة. وزاد الفقر مسجلا 26.3% ، مع وجود ما يقدر بنسبة 20% أخرى من السكان حول مستوى قريب من خط الفقر. حيث في بيان احصائي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء المصري صدر حديثا تم الاشارة الي أنه هناك 9.2 مليون طفل مصري من سن ( 0-17 ) يعيشون في فقر مادي ونصف هذا العدد يتواجد في محافظات والجه القبلي ويشير التقرير الي أن متوسط دخل الفرد عند الحد الادني لمستوي خط الفقر بلغ ( 3920 ) جنيه سنويا بمقدار ( 10.7 جنيه يوميا ) ويشير التقرير أن مستوي الدخل عند المستوي الاعلي لخط الفقر بلغ ( 5066 جنيه مصري ) سنويا بما يعادل ( 13.9 جنيه يوميا )
وفيما يلي شكل يوضح مستويات الفقر عن عام 2012 / 2013
ونتيجة لتلك المعدلات من البطالة والفقر تتحمل الموازنة العامة للدولة أكبر فاتورة بين دول العالم للمشكلة الهيكلية الرابعة وهي الدعم بغرض مساندة الطبقات الفقيرة لمواجهة احتياجات الحياة الملحة أي ما يعرف اقتصادية بحد الكفاف ( ما يمكن الفرد أن يقيم صلبه ) حيث خلال السنة المالية 2013/2014، أنفقت مصر أكثر من 6% من إجمالي ناتجها المحلي على دعم الوقود فقط وهو ما يتجاوز حجم إنفاقها على الصحة أو التعليم.، وبلغ اجمالي الدعم في موازنة 2013/2014 مبلغ 233.9 مليار جنيه، مقابل 212.4 مليار جنيه بموازنة 2013 /2014، بمعدل نمو قدره 21.5 مليار جنيه، رغم خفضها لدعمها الموجه للمواد البترولية بمواقع 40.2 مليار جنيه وتطبيق نظاماً جديداً علي المواد التموينية؛ أما باب المصروفات الأخري، فتم توفير 49.1 مليار جنيه، بالموازنة الجديدة، مقابل 38.3 مليار جنيه، بزيادة اقتربت من 10 مليارات جنيه، وجدير بالذكر أن حوالي ثلثي الدعم لا يذهب الي مستحقية . مما يزيد من معدلات الفقر ويثقل كاهل المالية العامة في ظل تدني مستوي الضريبة المحصلة مقارنة بالدولة المشابهة فعلي سبيل المثال يتراوحمعدل تحصيل الضريبة من 13/15 % من حجم الناتج المحلي الاجمالي بينما في متوسط معدل التحصيل في الدول الناشئة 23.3 %
ومما سبق يتضح أن هيكل الاقتصاد المصري يعاني من مشاكل جوهرية تقيد فرص النمو والتوسع ومقابلة التزامات الدولة نحو مواطنيها مما يستوجب اتخاذ اجراءات جريئة وقرارات صعبة . يكون الهدف منها اصلاح هيكل الاقتصاد المصري . وتحقيق قفزات في زيادة معدلات النمو وتخفيض معدلات الفقر والبطالة وحجم الدين العام ومستويات التضخم وعجز والموازنة . ونري أهم تلك الحلول هي
1 – اصلاح المنظومة التشريعية الاقتصادية والتي بها ما يقرب من 1424 قانون اقتصادي يحتاج الي مراجعات بغرض الالغاء والتعديل للتخلص من منظومة تشريعية اشتراكية تحكم سياسات اقتصادية تدعم السوق الحر
2- اصلاح الهيكل الاداري لمؤسسات الدولةمما يرفع من انتاجية الموظف ويعزز لرقابة قوية علي الانفاق العام وحتي يكون لفاتورة اجور العاملين بالدولة الكبيرة جدا مردود قيمي علي الواقع الاقتصادي لتعمل الدولة كلها وفق استراتجية موحدة لرؤية موحدة من خلال اعتماد نظم الادارة الاستراتجية التي تطبق منذ أكثر من عشرون عاما بدول العالم وأقرب الامثلة الناجحة لتطبيق الادارة الاستراتجية هي دولة الامارات العربية المتحدة .
3 – وضع خريطة وخطة متكاملة لتشجيع الاستثمارات الانتاجية واستغلال الموارد المعطلة وتحسين استغلال الموارد المستغلة في اطار هدف واضح وهو التحول من الاقتصاد الريعي الي الاقتصاد الانتاجي حيث أن 95 % من الاقتصاد المصري قائم علي الاقتصاد الريعي في دولة لها ميزة نسبية في الاقتصاد الانتاجي ولكن ينقصها التمويل ووضع بنية اساسية استثمارية جيدة تأخذ في الاعتبار تجارب الدول الاخري وتراعي تنافس الدول القرينة في الاستثمارات
4- وضع خطة للتخلص من بند الدعم بالموازنة والتحول في الاجل القصير والمتوسط الي الدعم النقدي المشروط للطبقات الفقيرة فلا توجد دولة في العالم تتحمل هذه الفاتورة للدعم التي تتسبب في تقويد المالية العامة وخلق مجتمع من الكسالي والانتهازيين .
5 – اصلاح المنظومة الضريبة لزيادة المتحصلات ومكافحة التهرب الضريبي
6- خطة عاجلة لدمج الاقتصاد غير الرسمي ضمن الاقتصاد الرسمي وتعزيز فرص المشروعات متناهية الصغر ووضع جهة واحدة مسئولة عنها لدعمها ماليا وفنيا
ولا شك انه في الاوانة الاخير اتخذت الحكومة المصرية خطوات علي مسار التصحيح بوضعها استراتجية لمصر حتي 2030 وضعتها وزارة التخطيط المصرية واتخذت وزارة المالية خطوة هامة نحو اصلاح منظومة الدعم خاصة دعم الوقود الذي بلغ وحده 1003 مليار جنيه
ولكن مازال الكثير من العمل أهمه علي الاطلاق أن تعمل المؤسسات كلها بشكل تكاملي نحو هدف واحد . هو وقف أنين الهيكل الاقتصادي لمصر
أيمن غازي
باحث اقتصادي مصري
دور السياسات الاقتصادية في تحقيق منظومة الاستقرار الاقتصادي من المهم التركيز على أهمية التنسيق بين السياسات الاقتصادية من أجل التوصل إلى استقرار اقتصادي تتجلى مظاهره في استمرار تحقيق لمعدلات نمو اقتصادي تواجهه التزايد المستمر في عدد السكان، وفى إيجاد فرص عمل لاستيعاب البطالة التي تهدد السلم الاجتماعي والأمن الاقتصادي، وكذلك في أستقرر للمستوى العام للأسعار بما يحفظ للنقود قوتها الشرائية في الداخل والخارج. إن تحقيق الاستقرار الاقتصادي، كهدف لكل سياسات التنمية في دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، يستلزم التكامل بين الإجراءات المتخذة باستخدام الأدوات المتنوعة لكل السياسات الاقتصادية. إن هذا التكامل يشكل فيما بينها منظومة تتناسق أجزاؤها وتتفاعل أركانها، حيث تؤثر كل أداة وتتأثر بالأدوات الأخرى على نحو متناغم ومتوازن من أجل تحقيق الغاية التي يسعى المجتمع دائماً إليها وهى الاستقرار الاقتصادي. وهكذا يمكن النظر إلى الفكر المنظومي باعتباره إطاراً للتحليل والتخطيط يمكننا من التقدم نحو أهداف واجبة التحقيق. تعرف"المنظومة "بأنها ذلك التركيب الذي يتألف من مجموعة من الأجزاء ا
تعليقات
إرسال تعليق